مع إشراقة أيام عيد الأضحى المبارك، وامتدادًا لأجواء النفحات الإيمانية، تأتي أيام التشريق لتشكل محطة روحانية عظيمة في موسم الحج، اختصها الله تعالى بفضائل كثيرة، وجعل فيها ذكره أعظم القربات.
ما هي أيام التشريق؟
أوضح الدكتور أحمد الرخ، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر، أي ثاني، وثالث، ورابع أيام عيد الأضحى، ويُطلق عليها هذا الاسم لأن الحجاج كانوا يشرّقون – أي يُجففون – لحوم الأضاحي فيها تحت شمس النهار، استعدادًا لتوزيعها على الفقراء.
وقد ورد في حديث عبد الله بن قرط، عن النبي ﷺ، قوله: “أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر”، ويوم القر هو أول أيام التشريق، حيث يستقر الحجاج في منى ولا يُنفرون.
فضل هذه الأيام في القرآن والسنة
بين «الرخ» عبر قناة الناس، أن الأدلة على فضل أيام التشريق ما ورد في كتاب الله عز وجل: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، والمقصود بها أيام التشريق، وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بأن المتعجل والمتأخر في منى كلاهما يُغفر له ذنبه إن كان من المتقين.
ويقول النبي ﷺ: “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه”، فالطهر الذي يناله الحاج – سواء تعجل في يومين أو تأخر إلى ثلاثة – مرتبط بتقوى الله، واجتناب المعاصي، ودوام الذكر.
العمل في أيام التشريق.. رمي وذكر
أوضح أستاذ الشريعة والقانون، أن من أبرز الأعمال التي يقوم بها الحجاج في أيام التشريق هو رمي الجمرات، وهو واجب من واجبات الحج، وقد بيّن النبي ﷺ مشروعية هذا الفعل، مستندًا إلى ما فعله إبراهيم عليه السلام حينما رمى الشيطان في ثلاثة مواضع، وهي جمرة العقبة والوسطى والصغرى.
اقرأ أيضا:
لماذا أوصى النبي بـ التكبير في العيد وما هو معناه؟.. فلسفة إيمانية
ويبدأ الحاج رمي الجمار من يوم العيد بسبع حصيات على جمرة العقبة، ثم في أيام التشريق يرمي كل يوم 21 حصاة: سبعًا لكل جمرة، فيكون مجموع ما يرميه المتعجل 49 حصاة، والمتأخر 70 حصاة.
وأضاف أحمد الرخ، أن الحاج المريض أو الكبير في السن يجوز أن ينيب غيره لرمي الجمار عنه، بشرط أن يبدأ الوكيل برمي الجمار عن نفسه أولاً، ثم عن من وكّله.
عبادة الذكر.. وصية ربانية ونبوية لا تنقضي
مع انتهاء التلبية عند رمي أول جمرة يوم العيد، أكد الدكتور الرخ أن الحاج يتحول إلى نوع آخر من الذكر، وهو التكبير والتهليل والتحميد، وهي سنّة للحاج وغير الحاج في هذه الأيام، فقد قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: 200].
ويستدل من الآيات والأحاديث على أن الذكر لا ينقضي بانقضاء العبادة، بل يبقى مستمرًا في حياة المسلم، في كل حال ومكان، حتى بعد أداء الصلاة بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 103]، ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10].
يقول أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إنه يكفي في فضل الذكر قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾، وحديث النبي ﷺ: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني…”.