مع إشراقة أيام العيد، تتجدد نسمات الفرح، وتغمر القلوب مشاعر البهجة والسرور، ولكن لا يكتمل هذا الفرح في الإسلام إلا بأداء واجب عظيم أوصى به النبي الكريم ﷺ، ألا وهو صلة الرحم، ذلك الخُلُق النبيل الذي رفعه الإسلام إلى مرتبة العبادة.
استغلال أيام العيد لتجديد الروابط
قال الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من الأحكام الجميلة التي بيّنتها الشريعة الإسلامية في مواسم الأعياد، أن تكون هذه الأيام المباركة محطة لتجديد الروابط الأسرية وتعميق المحبة بين الأقارب، فقد سنّ النبي ﷺ صلة الرحم، وجعلها من أبرز مظاهر الاحتفال بالعيد، إذ كان يحرص بنفسه على زيارة أقاربه، مؤكدًا بذلك أن العيد ليس فقط صلاة وتكبيرات، بل هو أيضًا لقاء وسؤال وتواصل.
لا تنس أن تقرأ: عبادة أوصى بها النبي ﷺ في أيام التشريق.. عالم أزهري يوضح
صلة الرحم.. باب من أبواب الرحمة الإلهية
وأضاف أمين الفتوى في برنامجه عبر قناة الناس، أن النبي ﷺ قال في الحديث الشريف: “الرحم معلقة بعرش الرحمن تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله”، هذه الكلمات النبوية تبرز عظمة هذا السلوك الاجتماعي في ميزان الدين، وتؤكد أن من يصل رحمه، فإن الله يصله بالبركة والسداد في ماله وأهله وصحته، بينما من يقطعها يُحرم من مدد السماء وتوفيق الله.
خالف الطريق ليصل رحمه
ومن العادات النبوية التي جسدت هذا المعنى، أن النبي ﷺ كان إذا خرج لصلاة العيد، يذهب من طريق ويعود من آخر، وقد فسر العلماء هذا الفعل بأنه وسيلة لزيارة أكبر عدد ممكن من الأقارب، سواء من الأحياء أو من الأموات.
يقول الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني إن من ضمن معاني هذه المخالفة في الطريق، أن النبي ﷺ كان يقصد منازل أقاربه، فيلقي عليهم السلام، ويمرّ على قبور أحبته، فذلك نوع من صلة الرحم أيضًا.
صلة رغم الجفاء
يشير الشيخ محمد كمال إلى أن البعض قد يشتكي من برود العلاقة مع أقاربه، فيقول: “أزورهم ولا يزورونني، أتصل ولا يردون”، لكن النبي ﷺ وضع معيارًا حقيقيًا للصِّلة، حين قال: “ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها”، أي أن الصلة ليست تبادلًا للزيارات، بل مبادرة صادقة من القلب، حتى لو قابلها الطرف الآخر بالتجاهل.
لا تنس أن تقرأ: ما هي أيام التشريق ولماذا سُميت بهذا الاسم؟.. اعرف فضلها
زيارة القبور.. صلة بعد الممات
ولأن صلة الرحم لا تنتهي بوفاة الأحبة، جاءت السنة النبوية لتؤكد أن زيارة القبور سنةٌ مستحبة، خاصة في أيام العيد، يقول ﷺ: “زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة”، وكان من سنته أن يزور قبور أصحابه وأقربائه، دعاءً لهم واستشعارًا لفضلهم، وترسيخًا لقيمة الوفاء بعد الرحيل.
رسالة العيد الحقيقية
في خضم مظاهر الاحتفال، ختم أمين الفتوى حديثه مؤكدا على ضرورة عدم نسيان أن العيد مناسبة روحية عميقة، تجعل من صلة الرحم عنوانًا رئيسيًا لها، فهي فرصة لإصلاح ما انقطع، وتجاوز ما فات، وإحياء ما اندثر، سواء بالزيارة أو الاتصال أو حتى برسالة طيبة، فالأجر محفوظ، والنية الصالحة موصلة.
لنجعل من كل عيد فرصة حقيقية لتطبيق سنّة النبي ﷺ، ولنزرع في أبنائنا هذه القيم التي تحافظ على تماسك المجتمع وتزيد من الرحمة بين الناس، فالعيد ليس فقط ثوبًا جديدًا أو مائدة عامرة، بل قلبٌ صافٍ ممتد لأحبته، ولسانٌ رطب بالدعاء والسلام.
