• Home  
  • في ذكرى رحيل أمل دنقل أمير شعراء الرفض.. قصيدته «لا تصالح» ولمحة من سيرته
- أخبار

في ذكرى رحيل أمل دنقل أمير شعراء الرفض.. قصيدته «لا تصالح» ولمحة من سيرته

مرت أمس الأربعاء 21 مايو، الذكرى الـ42 لرحيل الشاعر الكبير أمل دنقل «1940 – 1983»، الذي لُقّب بـ«أمير شعراء الرفض»، لما امتاز به شعره من موقف صارم ضد الظلم والاستسلام والخنوع، وكان صوتًا صادقًا لحلم العروبة وجرح الهزيمة، وصاحب القصيدة التي تحولت إلى أيقونة: “لا تصالح”. نشأة أمل دنقل وُلد أمل دنقل في قرية القلعة […]

مرت أمس الأربعاء 21 مايو، الذكرى الـ42 لرحيل الشاعر الكبير أمل دنقل «1940 – 1983»، الذي لُقّب بـ«أمير شعراء الرفض»، لما امتاز به شعره من موقف صارم ضد الظلم والاستسلام والخنوع، وكان صوتًا صادقًا لحلم العروبة وجرح الهزيمة، وصاحب القصيدة التي تحولت إلى أيقونة: “لا تصالح”.

نشأة أمل دنقل

وُلد أمل دنقل في قرية القلعة بمركز قفط بمحافظة قنا، واختار له والده، الأزهري المثقف، اسم “أمل” تيمّنًا بحصوله على إجازة من الأزهر في العام نفسه، ولكن “أمل” لم يحمل فقط بشرى الأمل، بل حمل أيضًا همّ الوعي والمقاومة، وعاش شاعرًا مسكونًا بالرفض والإباء، متجذرًا في تراثه العربي والفرعوني، متجاوزًا موضات المدارس الغربية التي سادت في الخمسينيات.

سبعة دواوين وبصمة خالدة

أصدر أمل دنقل سبعة دواوين شعرية، أولها «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة» عام 1969، وهو ديوان استوحى قصائده من رموز التاريخ العربي ومرارة الهزيمة، تلاه ديوان «تعليق على ما حدث» عام 1971، و«مقتل القمر» عام 1974، ثم «العهد الآتي» سنة 1975، و«أحاديث في غرفة مغلقة» عام 1979، وفي عام رحيله 1983، صدرت مجموعتاه الأخيرتان: «أقوال جديدة عن حرب البسوس» و«أوراق الغرفة 8» التي كتبها من غرفة مرضه في معهد السرطان بالقاهرة.

اقرأ أيضا: ماذا تعرف عن الشيخ حمدي الزامل في ذكرى رحيله؟.. محطات من حياته

القرية التي أنجبته.. والذاكرة الحية

لا تزال قرية القلعة تحتفظ بآثار أمل دنقل، بدءًا من البيت الطيني القديم، وصوره النادرة، وقصاصاته الورقية، وحتى معبد إيزيس الذي تأثر به في قصائده، أبرزها «العشاء الأخير»، حيث يستدعي الرموز الفرعونية ليحكي آلام الإنسان العربي.

أمل دنقل

قال عنه قريبه، الأثري شاذلي دنقل، إن أمل دنقل تشبّع بالتراث العربي والفرعوني منذ نشأته، وكان يرى في الآثار والرموز القديمة مادة شعرية حية، وكان يعرف جوهر الدين ويرفض تديّنه الزائف، بل كان يُلقي الخطب أحيانًا، ورفض مبكرًا التيارات المتشددة، وهو ما جعله مرشحًا من قبل المخرج شادي عبدالسلام لبطولة فيلم «إخناتون»، في تجربة لم تكتمل.

قصيدة «لا تصالح».. مانيفستو الرفض

قصيدة «لا تصالح» التي كتبها دنقل عقب توقيع اتفاقية السلام، ظلت إحدى أعظم قصائد الشعر العربي الحديث، وتحوّلت إلى نشيد دائم ضد المساومة، يقول فيها:

لا تصالحْ!

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

هل ترى..؟

هي أشياء لا تشترى..:

ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،

هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكما

ما تزالان طفلين!

تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

صوتانِ صوتَكَ

أنك إن متَّ:

للبيت ربٌّ

وللطفل أبْ

هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟

أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

إنها الحربُ!

قد تثقل القلبَ..

لكن خلفك عار العرب

لا تصالحْ..

ولا تتوخَّ الهرب!

(2)

لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

أعيناه عينا أخيك؟!

وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

سيقولون:

جئناك كي تحقن الدم..

جئناك. كن يا أمير الحكم

سيقولون:

ها نحن أبناء عم.

قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

إلى أن يجيب العدم

إنني كنت لك

فارسًا،

وأخًا،

وأبًا،

ومَلِك!

(3)

لا تصالح ..

ولو حرمتك الرقاد

صرخاتُ الندامة

وتذكَّر..

(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)

أن بنتَ أخيك “اليمامة”

زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا

بثياب الحداد

كنتُ، إن عدتُ:

تعدو على دَرَجِ القصر،

تمسك ساقيَّ عند نزولي..

فأرفعها وهي ضاحكةٌ

فوق ظهر الجواد

ها هي الآن.. صامتةٌ

حرمتها يدُ الغدر:

من كلمات أبيها،

ارتداءِ الثياب الجديدةِ

من أن يكون لها ذات يوم أخٌ!

من أبٍ يتبسَّم في عرسها..

وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..

وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،

لينالوا الهدايا..

ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)

ويشدُّوا العمامة..

لا تصالح!

فما ذنب تلك اليمامة

لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،

وهي تجلس فوق الرماد؟!

(4)

لا تصالح

ولو توَّجوك بتاج الإمارة

كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟

وكيف تصير المليكَ..

على أوجهِ البهجة المستعارة؟

كيف تنظر في يد من صافحوك..

فلا تبصر الدم..

في كل كف؟

إن سهمًا أتاني من الخلف..

سوف يجيئك من ألف خلف

فالدم الآن صار وسامًا وشارة

لا تصالح،

ولو توَّجوك بتاج الإمارة

إن عرشَك: سيفٌ

وسيفك: زيفٌ

إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف

واستطبت الترف

(5)

لا تصالح

ولو قال من مال عند الصدامْ

“.. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام..”

عندما يملأ الحق قلبك:

تندلع النار إن تتنفَّسْ

ولسانُ الخيانة يخرس

لا تصالح

ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

كيف تنظر في عيني امرأة..

أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

كيف تصبح فارسها في الغرام؟

كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟

لا تصالح

ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

وارْوِ قلبك بالدم..

واروِ التراب المقدَّس..

واروِ أسلافَكَ الراقدين..

إلى أن تردَّ عليك العظام!

(6)

لا تصالح

ولو ناشدتك القبيلة

باسم حزن “الجليلة”

أن تسوق الدهاءَ

وتُبدي لمن قصدوك القبول

سيقولون:

ها أنت تطلب ثأرًا يطول

فخذ الآن ما تستطيع:

قليلاً من الحق..

في هذه السنوات القليلة

إنه ليس ثأرك وحدك،

لكنه ثأر جيلٍ فجيل

وغدًا..

سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

يوقد النار شاملةً،

يطلب الثأرَ،

يستولد الحقَّ،

من أَضْلُع المستحيل

لا تصالح

ولو قيل إن التصالح حيلة

إنه الثأرُ

تبهتُ شعلته في الضلوع..

إذا ما توالت عليها الفصول..

ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)

فوق الجباهِ الذليلة!

(7)

لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم

ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..

كنت أغفر لو أنني متُّ..

ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.

لم أكن غازيًا،

لم أكن أتسلل قرب مضاربهم

لم أمد يدًا لثمار الكروم

لم أمد يدًا لثمار الكروم

أرض بستانِهم لم أطأ

لم يصح قاتلي بي: “انتبه”!

كان يمشي معي..

ثم صافحني..

ثم سار قليلاً

ولكنه في الغصون اختبأ!

فجأةً:

ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..

واهتزَّ قلبي كفقاعة وانفثأ!

وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ

فرأيتُ: ابن عمي الزنيم

واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم

لم يكن في يدي حربةٌ

أو سلاح قديم،

لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

(8)

لا تصالحُ..

إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

النجوم.. لميقاتها

والطيور.. لأصواتها

والرمال.. لذراتها

والقتيل لطفلته الناظرة

كل شيء تحطم في لحظة عابرة:

الصبا بهجةُ الأهل صوتُ الحصان التعرفُ بالضيف همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة

كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة

والذي اغتالني: ليس ربًا..

ليقتلني بمشيئته

ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته

ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

لا تصالحْ

فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..

(في شرف القلب)

لا تُنتقَصْ

والذي اغتالني مَحضُ لصْ

سرق الأرض من بين عينيَّ

والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

(9)

لا تصالح

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ

والرجال التي ملأتها الشروخ

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

لا تصالح

فليس سوى أن تريد

أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

وسواك.. المسوخ!

(10)

لا تصالحْ

لا تصالحْ

ما بعد الرحيل

رغم مرور أكثر من أربعة عقود على رحيله، لا يزال شعر أمل دنقل يلامس الأجيال الجديدة، ويُدرّس في الجامعات، ويُتداول في المنصات، ويُستدعى في لحظات الغضب والحلم، وقد صدرت عنه كتب ودراسات ومقالات عديدة، أبرزها كتاب زوجته الكاتبة عبلة الرويني «الجنوبي»، الذي يروي سيرته وحياته ونضاله مع المرض والشعر.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع «الانفراد» لعام 2025