يصادف اليوم 19 من مايو، ذكرى ميلاد الكاتب الكبير يوسف إدريس (1927-1991)، أحد عمالقة الأدب العربي الحديث، ولد إدريس في قرية البيروم بالشرقية، وشقّ طريقه المميز الذي جمع بين الطب والأدب، تاركًا بصمة واضحة في تاريخ القصة القصيرة والمسرح العربي.
ماذا نعرف عن يوسف إدريس المقلب تشيخوف العرب
اشتهر يوسف إدريس بلقب «تشيخوف العرب» لما أبدعه في فن القصة القصيرة، حيث ميّز أسلوبه البسيط الملامس لواقع المصريين، مُبرزًا حياة الفقراء والكادحين، وكاشفًا تناقضات المجتمع والسياسة، وبدأ إدريس حياته طبيبًا، لكن سرعان ما مال للأدب، فكتب في الصحف والمجلات، مُصدرًا أول مجموعاته القصصية «أرخص ليالي» عام 1954، والتي حققت نجاحاً باهرًا، مُعلنة عن أسلوب أدبي جديد ومتميّز.
ويُعدّ فيلم «النداهة»، المقتبس من قصة قصيرة ليوسف إدريس، أحد أبرز أعماله التي تحولت إلى عمل سينمائي، وتُعتبر القصة من أدب الرعب الشعبي، حيث يمزج إدريس بين الواقع والأسطورة، مستخدمًا شخصية «النداهة» ذلك الكائن الغامض من الفلكلور المصري الذي ينادي ضحيته من الحقول ليختطفها كرمز للصراع بين الخيال والحقيقة، الرغبة والخوف، وقد جسد الفيلم، ببطولة شادية وصلاح قابيل، هذه القصة ببراعة.
ويُعدّ «العسكري الأسود» عملًا رمزيًا عميقًا ينتقد الاستبداد والعنف الممنهج، حيث يُجسّد العسكري الأسود السلطة القمعية التي تفرض سيطرتها بشكل مطلق، مُسلّطًا الضوء على معاناة الفرد البسيط أمام الظلم والتعسف.
وتُعدّ رواية «البيضاء» ليوسف إدريس عملًا طويلًا يُجسّد الصراع النفسي والطبقي في المجتمع المصري، وتُمثّل «البيضاء»، كرمزٍ غامضٍ ومثير، المرأة، وربما الوطن أو الحلم، شيئًا مرغوبًا فيه لكنه صعب المنال، وتُعتبر الرواية غنية بالرمزية، مُبرزةً صراع الإنسان مع ذاته ومع محيطه.
يوسف إدريس لم يكن مجرد كاتب
وأما عن العمل الرابع، فهو «مهورية فرحات» وهي قصة ساخرة بارزة ليوسف إدريس، وتمكن فإظاهر استخدام الفكاهة والسخرية اللاذعة لكشف تناقضات السلطة ونفاقها، كما جسدت شخصية «فرحات» البسيطة التي تُقيم «جمهورية» خاصة بها، تُجسّد بشكل كوميدي سُلطةً مُطلقةً ولكنها فارغة من المضمون، مُسلّطةً الضوء على عبثية الأنظمة الشمولية وافتقارها للمصداقية، الجانب الفلسفي والاجتماعي للعمل يكمن في التساؤل حول ماهية السلطة الحقيقية، وكيف يمكن أن تُشوّه المفاهيم الكبرى كـ«الجمهورية» و«الحكم» بفعل الطمع والغرور، ويستخدم إدريس اللغة البسيطة والمشاهد الكوميدية لإيصال رسالة عميقة ذات أبعاد نقدية اجتماعية وسياسية.
ولم يكن يوسف إدريس مجرد كاتب، بل كان شاهدًا عصريًا على التحولات المصرية، قلمهُ حادٌ لا يُهادن، مما عرّضه أحيانًا لمواجهة السلطة، لكنه ظلّ صوتًا حرًا يعكس ضمير أُمّته.
ورغم رحيله في الأول من أغسطس عام 1991، لا يزال إرث يوسف إدريس الأدبي حيًا يُقرأ و يُدرس، ويتحول إلى أعمال مسرحية وسينمائية، مُلهماً أجيالاً جديدة من القراء والكتاب.