لكن ماذا لو كان الإنسان يملك المال ولا يملك الصحة؟ أو كان يشتاق للحج ولا يملك المال؟ أسئلة كثيرة يطرحها الناس، وتجيب عليها دار الإفتاء المصرية، بمنهجية تراعي واقع الناس وظروفهم.
الاستطاعة في فريضة الحج ليست نوعًا واحدًا
اوضح الشيخ محمود الطحان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عبر برنامج «مع الناس» المذاع عبر فضائية الناس، أن الإمام أبو عبد الله القُشيري، أحد كبار علماء التصوف والتفسير، أضاء في تفسيره “لطائف الإشارات” على معانٍ عميقة في مفهوم الاستطاعة، فقسّمها إلى ثلاثة أنواع:
الأول المستطيع بنفسه: وهو من يملك القدرة البدنية والمالية معًا، فيجب عليه أن يؤدي الحج بنفسه، دون أن ينيب عنه أحدًا.
والثاني هو المستطيع بغيره: وهو من يملك المال لكنه لا يستطيع أداء المناسك بنفسه بسبب مرض مزمن أو عجز دائم، فيجوز له في هذه الحالة أن يُنيب من يحج عنه.
وقد استدل العلماء على هذا بجواب النبي ﷺ حين سمع رجلًا يُلبي عن شخص يُدعى شُبرُمة، فسأله: “هل حججت عن نفسك؟”، فقال: “لا”. قال ﷺ: “حج عن نفسك أولًا، ثم حج عن شبرمة”. (رواه أبو داود).
والنوع الثالث هو المستطيع بربه: وهو صنف ثالث ربما لا يلتفت إليه كثير من الناس، وهو الفقير المتعفف، الصادق في نيته، الذي لا يملك مالًا ولا وسيلة، لكنه يملك قلبًا مخلصًا يشتاق إلى بيت الله الحرام.
رسالة إلى أصحاب الأموال
وأشر الشيخ محمود الطحان، إلى أن الإمام القشيري أكد على لفتة روحانية عظيمة، فيقول إن هذا الفقير “جدير بأن تُحمل له مطايانا”، أي أن من يملك المال عليه أن ييسر الحج لمثل هذا المخلص الفقير، ويحمل عنه تكاليف الرحلة.
الحج عبادة.. وأخلاق
في ختام حديثه، أكد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على أن البعد التربوي العظيم في الإسلام يظهر في هذه اللفتة، حيث لا يُنظر فقط إلى القدرة الجسدية أو المالية، بل إلى نية الإنسان، وحرصه على أداء الشعائر، حتى ولو لم يكن قادرًا ماديًا أو بدنيًا.
وفي الوقت نفسه، يوجه الخطاب إلى الأغنياء بألا يقتصروا على تكرار الحج، بل ينظروا حولهم لمن يمكن أن يُعينوه، فينالوا بذلك أجرًا مضاعفًا في الدنيا والآخرة.