شهدت سماء مصر والعالم أمس ظاهرة خسوف القمر الكلي، بالتزامن مع اكتمال القمر بدرا في ليلة 15 من شهر ربيع الأول 1447 هجريا، حيث بدأ القمر في دخول مرحلة شبه ظل الأرض عند الساعة 6:28 مساءً بتوقيت القاهرة، ثم دخل مراحل التناقص ثم أعقب ذلك اختفاؤه بشكل كامل ليصل إلى مرحلة الخسوف الكلي في تمام الساعة 8:31 مساء.
ورصد فريق مصوري موقع الانفراد جميع مراحل خسوف القمر بداية من مرحلة دخوله شبه ظل الأرض، ومروره بمراحل الخسوف الجزئي، ثم مراحلة الكسوف الكلي، وأخيرا بدء رجوعه حتى اكتماله بدرا مرة أخرى.
صور حصرية لمراحل خسوف القمر
وإليكم صور حصرية وقريبة جدا وتفصيلية للقمر خلال تعرضه للخسوف النادر بكل مراحله، التي رصدته عدسات فريقنا المتخصص في تصوير الأحداث الفلكية، والذي يقوده المصور مصطفى إيهاب:

خسوف القمر الكلي
شهدت الكرة الأرضية مساء أمس، السبت 7 سبتمبر 2025، واحدة من أبرز الظواهر الفلكية لهذا العام، وهي خسوف كلي للقمر، والذي تمكّن سكان مصر والمنطقة العربية من مشاهدته بوضوح.
تزامن هذا الخسوف مع بدر شهر ربيع الأول لعام 1447هـ، حيث غطى ظل الأرض كامل قرص القمر عند ذروة الخسوف بنسبة بلغت 136.2%، مما يعني أن القمر كان في عمق ظل الأرض، متجاوزاً بكثير حدود الظل التام.
امتدت كافة مراحل الخسوف، من بدايته وحتى نهايته، لمدة قاربت خمس ساعات و27 دقيقة، أما مرحلة الخسوف الجزئي فقد استغرقت نحو ثلاث ساعات و29 دقيقة، في حين استمر الخسوف الكلي للقمر لمدة ساعة و22 دقيقة تقريباً.
بدأ القمر دخوله إلى منطقة شبه ظل الأرض عند الساعة 6:28 مساءً بتوقيت القاهرة المحلي، وهي مرحلة لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، ثم بدأ الخسوف الجزئي في تمام 7:27 مساءً، عندما بدأت الحافة الشرقية لقرص القمر تغوص في ظل الأرض، وظهر التغير التدريجي في إضاءته.
بلغ الخسوف ذروته عند الساعة 9:12 مساءً، حيث كان القمر واقعًا بالكامل داخل ظل الأرض، في ذروة مطابقة لتوقيت البدر الفلكي لشهر ربيع الأول.
اقرأ أيضا: شكل القمر ليلة 6 صفر 1447 – 31 يوليو 2025.. الهلال المتزايد
بعد ذلك، بدأ القمر بالخروج من ظل الأرض الكامل عند 9:53 مساءً، معلنًا انتهاء مرحلة الخسوف الكلي، واستمرت بعدها مراحل الخروج الجزئي حتى نهاية الظاهرة.
وقد تابع ملايين المهتمين بالفلك حول العالم هذا الحدث النادر، الذي أتاح فرصة ممتازة لمراقبة ظواهر الظل والضوء في النظام الشمسي، وأظهر جمالاً استثنائياً في السماء ليلاً.
كيف يحدث خسوف القمر؟
خسوف القمر هو ظاهرة فلكية طبيعية تحدث عندما تقع الأرض بين الشمس والقمر، فتحجب الأرض ضوء الشمس عن القمر. يحدث ذلك في منتصف الشهر القمري، عندما يكون القمر في طور البدر وتكون الأجرام الثلاثة (الشمس – الأرض – القمر) على خط مستقيم تقريبًا. وبسبب هذا الترتيب، يسقط ظل الأرض على القمر مسببًا ظاهرة الخسوف.
تنشأ هذه الظاهرة نتيجة دوران الأرض والقمر في مداريهما، ويحدث الخسوف عندما يدخل القمر في منطقة ظل الأرض، وفي البداية، يمر القمر بمنطقة شبه الظل (Penumbra)، وفي هذه المرحلة يبدأ ضوء القمر بالخفوت بشكل طفيف ولا يُلاحظ تغير كبير في مظهره. بعد ذلك، يبدأ القمر في دخول منطقة الظل الحقيقي (Umbra)، فيبدأ الخسوف الجزئي، حيث يظهر ظل الأرض على جزء من سطح القمر.
اقرأ أيضا: شكل القمر ليلة 8 صفر 1447 الموافق 2 أغسطس 2025
وعندما يدخل القمر بالكامل في منطقة ظل الأرض، يحدث الخسوف الكلي، ويظهر القمر بلون أحمر قاتم يُعرف باسم “القمر الدموي”. ويبدأ القمر بعد ذلك بالخروج من الظل تدريجيًا، حتى يعود إلى إضاءته الطبيعية وتنتهي مراحل الخسوف.
تتغير درجة حرارة سطح القمر بشكل كبير أثناء الخسوف، فعندما يكون مضاءً بأشعة الشمس تصل حرارته إلى أكثر من 130 درجة مئوية، لكن عندما تُحجب هذه الأشعة أثناء الخسوف الكلي تنخفض الحرارة إلى ما دون -99 درجة مئوية. هذا يعني أن درجة الحرارة تنخفض بما يقارب 229 درجة مئوية خلال مدة قصيرة لا تتجاوز الساعة والنصف.
أنواع خسوف القمر
هناك ثلاثة أنواع رئيسية من خسوف القمر. أولها هو الخسوف الكلي، ويحدث عندما يدخل القمر بالكامل في ظل الأرض، ويتحول لونه إلى الأحمر نتيجة انكسار الضوء في الغلاف الجوي للأرض، حيث تُشتت الأطوال الموجية القصيرة (كالزرقاء والبنفسجية) وتسمح بمرور الضوء الأحمر ذو الموجة الطويلة.
النوع الثاني هو الخسوف الجزئي، ويحدث عندما يدخل جزء من القمر فقط في ظل الأرض، فيبدو وكأن جزءًا منه مغطى بظل داكن. أما النوع الثالث فهو شبه الخسوف، ويحدث عندما يمر القمر فقط في منطقة شبه الظل، فيبهت ضوء القمر قليلاً، وقد لا يُلاحظ هذا التغير بالعين المجردة.
يوجد أيضًا نوع نادر من الخسوف يُعرف بـ الخسوف الأفقي أو “Selenehelion”، ويحدث عندما يُمكن رؤية الشمس والقمر المخسوف في السماء في وقتٍ واحد، قبل الغروب أو بعد الشروق مباشرة. يعود السبب في ظهور هذه الظاهرة إلى انكسار الضوء في الغلاف الجوي للأرض، مما يؤدي إلى رفع صورة الشمس والقمر بصريًا فوق الأفق رغم أن موقعيهما الحقيقيين يكونان أسفل الأفق.
من الجدير بالذكر أن خسوف القمر قد يحدث مرتين إلى ثلاث مرات في السنة، وتختلف مدته حسب موقع القمر في الظل الأرضي. ويُعد الخسوف الكلي من الظواهر الفلكية النادرة نسبيًا، إذ قد يستغرق في أقصى حالاته أكثر من 100 دقيقة.
صلاة الخسوف
أما من الناحية الدينية، فقد أولى الإسلام ظاهرة خسوف القمر اهتمامًا خاصًا، حيث شرع النبي محمد ﷺ صلاة الخسوف عند حدوث هذه الظاهرة. وبيّن أن الكسوف والخسوف آيتان من آيات الله يُظهر بهما عظمته لعباده، ودعا المسلمين إلى التوبة والذكر والصلاة عند رؤيتهما. فعن النبي ﷺ أنه قال: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة”.
يُوضّح الشيخ أحمد عمرية أن معنى “الكسوف” في اللغة هو التغيّر إلى السواد، ويقال: كسفت الشمس، أي ذهب ضوءها، أما “الخسوف” فهو في اللغة بمعنى النقصان، فيقال: خسف القمر إذا نقص ضوءه، ويشير إلى أن الخسوف والكسوف هما آيتان من آيات الله يُخوف بهما عباده، كما ورد في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: “إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلّوا”، وهذا الحديث يُظهر البُعد الإيماني لهذه الظواهر الطبيعية، ويدعو الناس إلى الرجوع إلى الله عند رؤيتها.
اقرأ أيضا: شكل القمر ليلة 25 محرم 1447 الموافق 20 يوليو 2025.. أكثر مراحله رقة وغموضا
يفسر الشيخ عمرية أسباب هذه الظواهر الفلكية قائلاً إن خسوف القمر يحدث عندما تتوسط الأرض بين الشمس والقمر، فتعوق وصول ضوء الشمس إلى القمر، فيدخل في ظل الأرض، بينما يحدث كسوف الشمس عندما يتوسط القمر بين الشمس والأرض، فيحجب أشعة الشمس عن بعض أجزاء الأرض، فيظهر الكسوف.
أجمع العلماء على أن صلاة الخسوف والكسوف سنة مؤكدة، وتُصلى في وقت حدوث الظاهرة فقط، من بداية الخسوف أو الكسوف إلى نهايته، ويُستحب تطويل هذه الصلاة، ولكن بما لا يُثقل على المصلين. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: “إذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا حتى ينجلي”.
كيفية أداء صلاة الخسوف والكسوف
يُبين الشيخ عمرية أن صلاة الخسوف تُصلى ركعتين، لكن تختلف في صفتها عن باقي الصلوات. تبدأ بتكبيرة الإحرام، ثم يُقرأ دعاء الاستفتاح، وتُقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهرًا، ثم يركع الإمام ركوعًا طويلاً، ثم يقوم ليقرأ الفاتحة مرة أخرى وسورة طويلة أقل من الأولى، ويليها ركوع طويل آخر، ثم يرفع ويطيل في القيام، ثم يسجد سجدتين طويلتين، مع جلوس طويل بينهما.
بعد ذلك، يقوم الإمام للركعة الثانية، ويُكرّر نفس الأفعال بقراءتين، وركوعين، وسجدتين، مع إطالة أكبر من الركعة الأولى، ثم يُقرأ التشهد وتُختم الصلاة بالتسليم.
يؤكد الشيخ أحمد عمرية أن صلاة الكسوف والخسوف ليس لها أذان ولا إقامة، لأنها ليست من الصلوات الخمس المفروضة. وتُصلى في جماعة بالمسجد، ويُسن الجهر بالقراءة فيها. كما يجوز للنساء حضورها والصلاة خلف الرجال، وكذلك لا يُشترط في صلاة الخسوف والكسوف أن تُسبق بخطبة، لكن يُستحب أن يُلقي الإمام موعظة أو تذكرة بعد الصلاة، يدعو فيها الناس إلى التوبة والتضرع لله، والتذكير بعظمته، وأهمية الرجوع إليه، خاصة في مثل هذه الأحداث العظيمة.
اقرأ أيضا: اليوم ذكرى هبوط أول إنسان على سطح القمر.. بعثة أبولو 11
يقول الشيخ عمرية إن من فوائد هذه الظواهر أن يراها الناس كمثال لما سيجري يوم القيامة، حيث قال تعالى: “وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ”، ويشير إلى أنها فرصة لتحذير الغافلين وتنبيههم إلى عظمة الله وقدرته، وأنه قد يُؤخذ من لا ذنب له، ليحذر من له ذنب، فتكون الظاهرة إيقاظًا للقلوب التي ركنت إلى الغفلة.
أوضح الشيخ أن صلاة الخسوف والكسوف تُشرع في الحضر والسفر على حد سواء، ولا يشترط أن يكون الإنسان مقيمًا لأدائها، فهي سنة مؤكدة متى ظهرت الظاهرة وشوهدت.
وقد صلّى النبي ﷺ صلاة الخسوف والكسوف، وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث، منها ما رواه أبو بردة رضي الله عنه قال: “خسفت الشمس، فقام النبي فزعًا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلّى بأطول قيام وركوع وسجود”، وفي هذا الحديث دلالة على أهمية الفزع إلى الصلاة والدعاء عند وقوع هذه الظواهر، إذ قال النبي ﷺ: “هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يُخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره”.