• Home  
  • قانون الإعدام بين أزمة التشريع ومقاصد الشريعة.. رؤية تحليلية
- أخبار

قانون الإعدام بين أزمة التشريع ومقاصد الشريعة.. رؤية تحليلية

كتب: إبراهيم البطل تصالح الناس في سالف العصور القديمة على مجموعة من الأعراف التي تقوم بتسيير الأمور وتنظيمها فيما بينهم لكي يعم السلام والاستقرار والوئام داخل الجماعة الاجتماعية. فبدأت كل قبيلة داخل الجماعة بالاتفاق على جملة من القواعد غير المدونة تعمل على ضبط سلوك أفرادها تحت مسمى العادات والتقاليد. شكل ذلك أسبابًا راسخة لا تقبل […]

كتب: إبراهيم البطل

تصالح الناس في سالف العصور القديمة على مجموعة من الأعراف التي تقوم بتسيير الأمور وتنظيمها فيما بينهم لكي يعم السلام والاستقرار والوئام داخل الجماعة الاجتماعية.

فبدأت كل قبيلة داخل الجماعة بالاتفاق على جملة من القواعد غير المدونة تعمل على ضبط سلوك أفرادها تحت مسمى العادات والتقاليد.

شكل ذلك أسبابًا راسخة لا تقبل التبديل أو التحويل لتلك العادات والتقاليد التي تضرب بجذورها في أعماق الوعي البشري، فساعد ذلك في ثبوتها ورسوخها عند تلك الشعوب التي تمسكت بها.

ومع تقدم الحضارات وسعي الإنسان إلى الاختراع والاكتشاف، كان لابد له من أن يهيئ المناخ الفكري والسياسي ليسطر لنفسه تاريخًا من الإبداع والتقدم.

فتولد عن هذا الشعور حاجة الإنسان إلى نظم أكثر تقدمًا لينتقل من خلالها بخطى ثابتة على درجات المدنية والتحديث، فبدأ أول ما بدأ بتطوير النظم السياسية والقانونية.

فنجد مونتسكيو (1689-1755) إبان عصر النهضة يقفز لمسافات بعيدة في كتابه “روح الشرائع” ليسطر لنا فيه تاريخًا مضيئًا في الفكر القانوني والتشريعي، حيث قام بأول محاولة لفصل السلطات الثلاث وهي (التنفيذية – التشريعية – القضائية)، كما قام بتحديد اختصاص كل منها على حد حتى لا يحدث خلط بينها.

ويوجه بهذا مونتسكيو التاريخ الحديث نحو التحول الديمقراطي ويعزز تلك الخطوة كحتمية تاريخية لابد أن تكون نتيجة لزومية لمقدمات وضعها ورسمها بنفسه داخل كتابه روح الشرائع.

ينشد الإنسان السلام ويتمسك بالاستقرار ويدافع عن بقائه ووجوده، ومن أجل ذلك كان عليه أن ينتقي ويصيغ من القوانين ما يؤمن له آماله وطموحاته داخل جماعته أو مجتمعه أو مدينته.

فبدأ بصياغة الأعراف والعادات والتقاليد من مجرد أحكام وقوانين تحفظها الجماعة في عقلها الجمعي إلى صياغة رسمية مدونة مكتوبة ملزمة لسائر المجتمع.

فبدأت مرحلة جديدة في تاريخ التشريع، وهي مرحلة التدوين والكتابة ليتم بها حفظ تلك القواعد والقوانين من أن يتناساها أو يتحايل عليها البعض، لتكون ملزمة للجميع.

اقرأ أيضا: إبراهيم البطل يكتب: الفلسفة العصبية بين المادية الاستبعادية والثنائية الديكارتية

عرف أول دستور مدون بتلك الصفات بالدستور الأمريكي، وحذت حذوها من بعد دول العالم كاستجابة منطقية لحفظ حقوق وواجبات الأفراد داخل المجتمع وتنظيم علاقتهم ببعضهم وعلاقتهم بحاكمهم.

قانون الإعدام

على مسار التطور وتعاقب الحضارات نحو المدنية، لجأت المجتمعات الحديثة إلى وضع عدة قوانين تتسم بالردع الحاسم من أجل فرض النظام والسلم المجتمعي.

وبناءً على ذلك رأى المشرع ضرورة أن يكون هناك عقوبة إعدام تكون جزاءً لمن يزهق نفسًا متعمدًا، ويكون ذلك فتحًا لمسار جدلي حول أخلاقية هذا القانون.

حيث اختلفت وتباينت الرؤى بين المفكرين وفلاسفة القانون، لنجد فريقًا رأى ضرورة إنفاذ تلك العقوبة وأنها جزاء من جنس العمل مثل أمريكا والهند والصين وإندونيسيا ودول الشرق العربي الإسلامي. فيما استبعد الفريق الآخر تلك العقوبة ورأى أنها انتهاكًا لحقوق الإنسان وكرامته كما رأينا في المادة الثانية لميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الذي يقضي بعدم تفعيل تلك العقوبة داخل دول الاتحاد.

كان ذلك فتحًا لمسار جدلي استمر على مدار عقود بين النخب المثقفة في مختلف دول العالم، ولا يزال الانقسام والتباين كائنًا بينهم دون وحدوية فكرية بل ثنائية قائمة.

ففي العصر الحديث، انتقل النقاش والجدل حول عقوبة الإعدام من الأوساط الثقافية والفكرية إلى الأيديولوجيات السياسية الدولية، ليكون مسارًا جديدًا في تطور الفكر القانوني.

فبدأ المشرعون بسلطتهم التشريعية الممثلة في مجلس النواب أو الشيوخ بالمعنى الأوروبي – الأميركي في إثارة تلك القضية داخل أروقة مجالسهم، ليقضي فيها المشرع بحكم بات ونهائي، ليكون الفكر القانوني صورة لرؤية الدولة وأفرادها.

تباينت آراء المشرعين بتباين مصادر المشرع التي يؤمن بها، فباعتبار الدين مصدرًا من مصادر التشريع وعقيدة مرجعية للتشريع لوضع وصياغة قوانين الدولة ولوائحها.

كان لزامًا أن تتقاطع عقيدة المشرع مع أفكاره وفلسفته طبقًا لمصادر قوانينه ولوائحه، لذا عزم كل فريق على تقوية حجته وبيان صحتها ومنطقها، في حين يدحض رأي الآخر ويقصيه.

فالإعدام هو استئصال الجاني من المجتمع على نحو قطعي ونهائي، حتى تكون عقوبة رادعة لكل من أفسد في الأرض، ليحقق قول الله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ” \[المائدة:33].

فكان السياق القرآني متوافقًا مع ما رآه المشرع من أن عقوبة الإعدام هي السبيل نحو الردع المجتمعي لكل أنواع الشر والإفساد، من أجل السلم والتماسك المجتمعي.

فجاءت تلك العقوبة كمحاولة لإعادة الضبط داخل المجتمع والمعيشة الآمنة بين أفراده، فقد كان النص القرآني فضفاض الدلالة وبليغ البلاغة، فقد قضى بالإعدام على كل شيء يشكل فسادًا، ليحرك عقول المثقفين والمفكرين ليصيغوا لنا ماهية الفساد.

فكل ما هدد حياة الإنسان ومصيره على الأرض عُدّ فسادًا، فمن هنا انطلق مفكرو القانون، فقد رأوا أن المخدرات التي تدمر أجيالًا فساد، والاتجار بالبشر فساد، وسفك دماء الناس فساد، واللعب بعقول الناس وتضليلهم عن جادة الصواب فساد.

فكل ما رآه المشرع فسادًا استحق عليه الجاني عقوبة تقصيه نهائيًا من المجتمع ككل بمعنى الإعدام، لذا كانت هذه سنة المشرع، حتى أنك لترجع إلى المجتمعات البدائية ستجد أنها كانت توجد بينهم لنفس ذات الأسباب حتى يسود الأمن داخل القبيلة.

فرغم اتفاق بعض الشرائع في تطبيق عقوبة الإعدام، إلا أن هناك شرائع استنكرت تلك العقوبة مثل المسيحية التي أثرت في مشرعي أوروبا لإلغاء تلك العقوبة من دساتيرهم.

في حين أقرها الإسلام في قوله تعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب” ليكون في القصاص والعدالة أمن وحياة وتعايش سلمي داخل كل جماعة ومجتمع.

فقد نبهنا القرآن لنقطة جوهرية في القصاص في قصة ابني آدم، قابيل وهابيل، عندما قال الله تعالى: “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أن من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا”.

فقد روى لنا النص القرآني صورة بديعة حيث رأى أن من قتل إنسانًا فكأنه قضى على عائلة كاملة كان من الممكن أن توجد من نسل ذلك القتيل، وبهذا فقد أضر القاتل بعائلة كاملة كان من المقدر لها أن توجد على هذه الأرض.

وبالمثل حيث قال “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا”، وهذا حث وحرص على ضرورة حفظ النفس وسلامتها كمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية.

فإذا هممت بقتل إنسان، فقد قطعت نسله، فوجب أن يُقطع نسلك أيضًا، وإن حفظت على غيرك ولم تقتله، فقد حفظت على نفسك أيضًا بالمثل، فإن عبارة “فساد في الأرض” تحمل العديد من المعاني، ولكنها تفسر عمومًا كإشارة إلى الجرائم التي تؤثر على المجتمع ككل وتزعزع بنيانه.

المصدر: كتاب روح الشرائع لمونتسكيو

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع «الانفراد» لعام 2025